“في الأدب الشعبي.. أغان وزلاغيط وحزازير وأقوال دمشقية”.. كتاب يوثق لدمشق

دمشق-سانا

يشكل كتاب الباحث منير كيال في الأدب الشعبي أغان وزلاغيط وحزازير وأقوال دمشقية إضافة جديدة إلى الكتب التي توثق هذا التراث وتقدم مرجعا للباحثين والدارسين في هذا المجال.

وكتاب كيال الذي جاء في 190 صفحة من القطع المتوسط من إصدارات الهيئة العامة السورية للكتاب قدم فيه الباحث دراسة وافية تصور الأدب الشعبي في دمشق خلال النصف الأول من القرن العشرين بما يضم من عناصر ثقافية انعكست في الأغاني والأقوال والأمثال والحزازير والعادات والتقاليد لتشكل موزاييكا منوعا لبيئة شامية عرفت بالتطور والحيوية والشمولية.

وقسم الباحث كتابه إلى ثمانية أبواب سبقتها دراسة تمهيدية عن “تراثنا الشعبي والأدب الشعبي” بين فيها أن الأدب الشعبي هو فن القول التلقائي المتوارث المرتبط بالعادات وهو نتاج جماعي أبدعه المنشؤون وصقله الرواة وجوده التداول وتنضوي تحت لوائه عدة ألوان منها الأسطورة والخرافة والحكايا والأقوال والأمثال وغيرها.

واستعرض كيال في أول الأبواب وهو بعنوان “أمثالنا الشعبية” عددا كبيرا من الأمثال مبينا أننا نعيش في الحديث عن أمثالنا جانبا من حياتنا لان البحث في المثل الشعبي هو بحث في حياة الناس وخاصة إذا استطاع الباحث تحديد هوية الفترة الزمنية التي قيلت فيها الأمثال ليحدد الظروف التي أدت إلى ظهورها مضيفا أن الأمثال الشعبية تطرقت إلى كل مجالات الحياة كالتعاون والطمع والصبر والعمل والمرأة والجوار والضيافة مقدما نماذج عنها وقسمها إلى المجال الذي قيل فيه المثل فمنها ما قيل في أحوال الطقس “بكانون كن وعالفقير حن” أو في الجيرة والتعاون “جارك القريب ولا أخوك البعيد”.

وفي الباب الثاني تحدث عن “الأقوال” التي كانت تتداولها النساء في أجواء السهرات المنزلية والتي تناولت مواضيع المحاسن والصفات الأنثوية المحببة والغزل والحب والعتاب كما تصدر عن المرأة في مثل هذه السهرات حكايا متنوعة وأحاجي وحزازير وارجوزات وفي الأخيرة عرض أبجدية “كت كتان” وهي أرجوزة شعرية تتضمن ذكر الخضار والفواكه والورد كقولهم “يسعد صباحك يا تفاح مليسي ياللي قطفتك من الربوة على كيسي” إضافة إلى ذكر المساجلة بالأقوال وهي تتم بين النساء في السهرة أيضا.

وفي الباب الثالث تحدث الباحث عن “أهازيج العراضات” مقدما نماذج عن أهازيج عراضة مقارعة الاستعمار وعراضة المولد النبوي وعراضة استقبال الحجاج وعراضة العرس موضحا أن العراضة بما تحمله من طقوس وأغان تصور الأحداث التي عاشها المجتمع في مناسباته السياسية والدينية والاجتماعية.

وحول “كنايات الباعة في دمشق” جاء الباب الرابع من الكتاب حيث بين الباحث ان باعة دمشق كانت لهم مفردات خاصة انفردوا بها للتدليل على ما يبيعونه وخاصة انواع الفواكه والخضار ولكل بائع نغمة وترنيمة يقولها اثناء جولاته في الحارات والأزقة وهي مستوحاة من صفات أو طعم أو لون أو مكان زراعة الإنتاج كقولهم “الزيني حلوني والأحمر دوماني” أو”توت الشامي حبر القناني يا شامي”.

وألقى الباحث في الباب الخامس “الحزازير” الضوء على مكانة الحزيرة في الأدب الشعبي كونها نمطا من كلام العامة على وزن منسق ووتيرة مترابطة في الاغلب تكون من أربعة مقاطع أو أشطر ولها مدخل أو ما يسمى دهليز وقدم نماذج منها.

الباب السادس تحدث عن “الزلاغيط” أي الزغاريد وهي صيحة الفرح التي تطلقها النساء في مناسبات الأفراح عامة وهي بمضمونها اللغوي محرفة من عبارة “زغلط” والتي شاعت عند العرب قديما وتعني لغة هدير الإبل العطشى الذي تردده في حلوقها مبينا أن زغردة النساء تكون مصحوبة ببيتين من الشعر او الزجل تبدأ بهتاف “أوها”.

واستعرض الكتاب مناسبات الزلاغيط وبعض النماذج التي تقال في كل مناسبة مثل مناسبة الزواج والحمل والولادة والرد على الشامتين وغيرها كقولهن “حصنتك بياسين يا زهر البساتين يا مصحف زغير يا عروس السلاطين”.

أما الباب السابع فتحدث عن “أغاني المهد والطفولة” وتتضمن أغاني الأمهات ومشاعرهن تجاه مواليدهن وهناهن الأم للطفل كما تطرق إلى بعض الأغاني التي ينشدها الأطفال واغاني الطقوس وأغاني اكتساب المعرفة وأغاني العيد ورمضان وأغاني الألعاب.

والباب الأخير بعنوان “أغانينا الشعبية” حيث قدم شرحا مفصلا عنها لأنها تعد شكلا من اشكال التعبير في الأدب الشعبي وتتكون من عنصرين أساسيين يندمج كل منهما في الآخر وهما نص الأغنية ولحنها الموسيقي وهي وسيلة تعبير فنية يعبر من خلالها المجتمع عن نفسه مبينا أنها قصيدة شعبية مجهولة الأصل وشاعت بين العامة منذ الأزمنة الماضية حيث كانت تعبر عن معتقدات الناس وعملهم وفيها متنفس لعواطفهم ومشاعرهم.

يذكر أن الباحث منير كيال من مواليد دمشق 1931 يحمل درجة البكالوريوس في الجغرافيا من جامعة دمشق له أكثر من عشرين كتابا في شتى مجالات الحياة الاجتماعية الدمشقية وأوابدها ومكانتها على مد العصور منها “فنون وصناعات دمشقية” و”الحمامات الدمشقية وتقاليدها” و”يا شام.. في التراث الشعبي الدمشقي “و”حكايات دمشقية”و”المرأة في المثل الشعبي الشامي” وغيرها.