نَعم أختَلِفُ مَعكُم

مما يدعو للاستغراب، أن نجد، ونحن في وسط الأزمة «المؤامرة» التي تمرّ فيها سورية، من يحاول أن يصطاد «خبثاً»، والمثير للدهشة أكثر أن نجد أن بعض هؤلاء «الصيّادين» ممن يدّعون أنهم «مثقّفون»، يخرجون بين وقت ووقت ويطرحون أسئلة «مشبوهة» لتكون محور بحث ودراسة، بينما نجد أنهم يسرّبون الدلالة التي يسعون إليها في أصل عنوان البحث المراد تحقيقه.

عناوين لموضوعات تبدو بريئة، لكن في مدلولاتها سمّ زعاف، فهي تشتغل على تكريس الإحباط، وقتل الروح المعنوية، ثم إلى الاستسلام، وهي عناوين، تضع الجواب في بطن السؤال.

في آخر ما وصلني من جهةٍ عرّفت عن نفسها بأنها أممية، وضعت عنواناً لأسئلة بحث، وأسئلة تفصيلية لا تخرج عن مضمون العنوان: (عوامل الشرخ الاجتماعي في سورية)!!
قلت، إنني أختلف معكم في عنوان الموضوع، عندما نقول «الشرخ» وهي كلمة واسعة المدلولات، تحسم مسبقاً نتائج طرح الموضوع على أن مسألة الشرخ أمر واقع، وهذا ما أعتبره عكس الواقع على الأرض، فالشرخ قطع وتمزيق، ما يعني تفكك المجتمع والبلد، وهذا ليس صحيحاً، فالبلد قائمة، والحكومة موجودة، والشعب موجود، والجيش موجود على الرغم من قسوة الأحداث والصخب المفبرك الذي يجري ويدور، ليس من فعل ذاتي، بل من فعل (مؤامرة)، دبّر وخطط واشترى وباع ودعم وموّل لها عدوّ ماكر.

لقد خضعت سورية أكثر من 400 سنة تحت الحكم العثماني المتخلّف، الذي وضّع ثقافات هزيلة تدميرية ساهمت إلى حد كبير في «تجهيل» الأمّة، وتفقيرها.

ثم جاء الاستعمار الفرنسي، وهو استعمار يهدم،اشتغل على وتر الطائفية والإقليمية، ولم يفلح، فقد تصدت له كل التركيبة الاجتماعية في سورية، «يوسف العظمة، وصالح العلي، وسلطان الأطرش وهنانو والأشمر والخرّاط» وغيرهم، من كل الطوائف والمذاهب والثقافات.

غزوات ومؤامرات استعمارية متلاحقة، وضعت عوائق كثيرة أمام محاولة النهوض والتطوّر.
وقد فرضت الحال على سورية،ودائماً أن تصبّ جهودها، الاقتصادية والعسكرية تحسّباً من التمدد (الإسرائيلي)، ومحاولة دائمة لرفع الجاهزية الدفاعية،ونصرة المقاومة، الآن تبدو آثاره المثيرة للجدل عندما نعلم أن أكثر الذين «ركبوا» موجة المعارضة، كان المال الدافع، ولا يمكن بأي حال أن نتّهم المجتمع السوري (بالشرخ) وهو ما تسعى إليه الدول المخططة والساعية لتدمير البلد، وبفعل غرباء مرتزقة قدموا من مزابل بلادهم لتنفيذ ما رُسم لهم.

لم يعد خافياً على أحد، أن «الربيع العربي العتيد» كان لمصلحة (إسرائيل) بامتياز.
أمّا (داعش).! فهي طفرة غريبة عن البيئة والتاريخ والدين والحاضرة، خلقتها وربّتها دول كبرى، ودعمتها وموّلتها دول أجيرة، وسهّلت تحركاتها دول «عربية وإقليمية».

سورية نسيج وحدها، تملك خصوصية فريدة من حيث التركيبة السكانية، فيها نماذج مختلفة تتماشى وتتعايش مع البيئة والمكان والجغرافيا، فسيفساء جميل، ولحمة واحدة في التصدي لكل مؤامرات الاستعمار قديماً وحديثاً.

من هذا المنظور علينا أن نلقي جانباً كل محاولات التشكيك المذهبي والديني، والحركات التي يطلقون عليها (ثورات أو انتفاضات) عرقية مذهبية، لم تكن أكثر من حراك سياسي للاستئثار بالحكم، ومن تنظيمات تنفّذ أجندات خارجية.

هذه اللوحة الفسيفسائية التي يمثّلها نسيج المجتمع السوري، لا يمكن أن يصيبها (شرخ) قاطع، قد ترتبك إلى حين، لكنها سرعان ما تستعيد وهجَها، وتستمر الحياة.

لا بد أن نعترف بأننا نعاني من مشاكل كثيرة، وليس من «شرخ» اجتماعي، وهي مشاكل لا يمكن أن تلغي، أو أن «تشرخ» القيمة الوجودية لسورية.

بقلم: عدنان كنفاني