يبدو أن الغرب وهو يتحدث عن استشعاره خطر الإرهاب الضارب أطنابه في المنطقة والموالي له أصالةً ووكالةً وفكرًا، غير جاد فيما يتقوله ويعرب عنه، وحتى لو كان صادقًا في بعض القول، إنما يتمثل ذلك في استشعار الخطر من أن يتجاوز الإرهاب الذي صنعه ودعمه جغرافيا المنطقة ليمتد إلى حدوده ويلدغ مواطنيه، هذه هي حدود استشعار الخطر، وهذا ما يعيدنا إلى شعار الحروب التي شنتها إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش “الصغير” وهو “نقل المعركة إليهم”.
ومن ينظر إلى واقع الأمر اليوم في المنطقة وما تفعله فيها “الفوضى الخلاقة” التي توعدت بها الإدارة الأميركية السابقة على لسان كونداليزا رايس المنطقة، يجد أن ما يفعله الغرب بقيادة الولايات المتحدة، هو إدارة هذه الفوضى ودعمها من خلال مجموعة من الوسائل حتى لا تتمكن شعوب المنطقة من قتلها في مهدها، مستفيدًا (أي الغرب) من نجاح المقاومة اللبنانية في صيف 2006م من إجهاض هذا المولود المشوه المسمى “الفوضى الخلاقة”، وذلك باللجوء إلى ما يُعرف بحروب الجيل الثالث والرابع، والضرب على أوتار الطائفية والمذهبية، مستغلًّا الاختلاف في الفكر وتباين الآراء وإثارة النعرات لتمزيق عُرى المجتمعات، وموظِّفًا في ذلك أيديولوجيات وأفكارًا بطبيعتها وتكوينها ونهجها إقصائية إلغائية، وهذا ما نراه ماثلًا الآن في الممارسات الشاذة والمخالفة لكل المبادئ والقيم والأخلاق والشرائع السماوية وفي مقدمتها الإسلام، من إرهاب وقتل وتدمير ممنهج واستهداف للأقليات، وتدمير واضح للحضارات وطمس للصورة الحضارية وللطبيعة المتسامحة المعروف بها العربي أيًّا كان انتماؤه الديني. وممارسة ذلك باسم الإسلام وباسم الفكر الإقصائي المنبوذ أساسًا.
وما من شك أن هذا الدمار في البناء الحضاري والإنساني والأخلاقي والقيمي جعل المنطقة راضخةً تحت أقدام الغرب، مستسلمةً مستجدِيةً له، ومسلِّمةً له ثرواتها ومواردها وطاقاتها التي من أجلها أنتج “فوضاه الخلاقة/الهدامة”.
ولذلك ليس مثيرًا للاستغراب أن يخرج مُدَّعو “الديمقراطية والحرية وحماية حقوق الإنسان” على شعوب المنطقة المكتوية بنيران “فوضاهم الهدامة” بتصريحات تؤكد مضيهم في إدارة فوضاهم المبنية على الإرهاب والتدخلات بشتى ألوانها ضد شعوب المنطقة، من قبيل القول بأن لا استراتيجية لديهم لضرب التنظيمات الإرهابية التي أوجدوها لتدمير المنطقة ولإعادة فكها وتركيبها بما يتلاءم مع مصالحهم ومشاريعهم الاستعمارية، وكذلك من قبيل اعتبار من لا يزال يدفع أثمانًا باهظةً من الدماء والأرواح والأموال والممتلكات والاستقرار والأمن والأمان جراء إرهابهم الذي أنتجوه ودعموه ولا يزالون يفعلون، بأنه الوجه الآخر لصنائعهم من التنظيمات الإرهابية، في حين أن الصور فضَّاحة والمشاهد المنقولة حيًّا والمسجلة لا تكذب والتي تظهر حجم الدمار والخراب، والرؤوس المقطوعة لتلك الجموع من المدنيين الأبرياء والعسكريين شهداء الواجب.
إن أصحاب تلك التصريحات المفضوحة والمردودة عليهم بقدر ما تؤكد ضلوعهم المباشر وغير المباشر في هذا الإرهاب والدمار والخراب والنزيف المستمر، بقدر ما تفضح سلوكياتهم وأخلاقهم الشاذة وأنفسهم السادية وكراهيتهم وأحقادهم التي لا تنتهي ضد المنطقة وشعوبها، بدليل رفضهم التعاون مع من يدافع عن الحق ويقاوم الإرهاب والظلم والتآمر، وإصرارهم على دعم تنظيمات إرهابية صنعوها في مواجهة تنظيمات إرهابية أخرى ومن إنتاجهم. ولهذا لا جديد في المواقف باتجاه تخليص المنطقة من الإرهاب، وإنما هنالك إصرار واستمرار وتأكيد على مواصلة تمزيق المنطقة ودولها وشعوبها بالإرهاب بشتى ألوانه تارة، وبالعمل العسكري تارة، وبالاثنين معًا تارة أخرى. وبالتالي مهما حاولوا من تلوين للكلام وتزويقه والتقول بأنهم يحاربون الإرهاب لا حقيقة له “فالطبع غالب على التطبع”.
