الشريط الإخباري

بعض حقائق الصورة الغامضة-بقلم: مهدي دخل الله

كانت الحروب التقليدية واضحة الاصطفاف، جلية الحدود بين القوى المتحاربة. هذا الوضوح سببه أن تلك الحروب كانت تقوم، غالباً، بين جيوش نظامية ووفق منطق سمّوه «قوانين الحرب». أما حروب اليوم الإرهابية فإن الحابل يختلط فيها بالنابل.. وهذا أمر مقصود.
إنها كما كان الفيلسوف الإنكليزي هوبس يصف تناقضات المجتمع، حرب الجميع ضد الجميع. هذا في العمق، أما في الأفق فهي حرب تشمل عدداً كبيراً من الدول، بل إن إضافة أوكرانيا الأوروبية إلى هذا العدد «الشرق أوسطي» يشير إلى أن لا أحد يمكن أن يكون خارج «المؤامرة الكبرى» بما في ذلك القارة العجوز..
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حذر مؤخراً أوروبا بأنها قد تكون هي الأخرى مسرحاً للإرهاب والقتل والتدمير كما حصل في سورية والعراق واليمن وليبيا وأوكرانيا. وفي الحقيقة فإن أوروبا ذاتها لم تسلم من هذه الحروب التي هدفها تثبيت نزعة الهيمنة والاستعمار الحديث على العالم. بل إن «ترويض» بعض الشعوب الأوروبية عبر الاقتتال الدموي سبق ما يحدث في المنطقة العربية بعقد من الزمن على الأقل. الحرب في يوغسلافيا السابقة حملت عدداً كبيراً من الضحايا 95 % منهم من المدنيين، التقديرات تتحدث عن مليون ضحية إضافة إلى التدمير والتدخل وتقسيم الدولة إلى سبع دول على أساس عرقي.
شهدت عملية الانتقال من الاستعمار التقليدي إلى الاستعمار الحديث في القرن العشرين سقوط ضحايا يقدر عددهم بثلاثمئة مليون حسب أكثر التقديرات تواضعاً. أما التدمير فحدث عنه ولا حرج، وما هيروشيما وناغازاكي سوى عنوان فقط لعصر كامل التدمير..
في جميع هذه الحروب العالمية كان للعرب حضور، فاعل أو منفعل لا فرق. كان أبناؤنا يسقطون دافعين ثمن التفاعلات الدولية منذ الحرب العالمية الأولى وقبلها واليوم أضحى الوطن العربي بؤرة التفاعل الأساسية في المعركة العالمية التي يخوضها الطرفان، طرف يحاول تثبيت الاستعمار الحديث وإطالة عمره وطرف يشعر بأن هذا الاستعمار وصل إلى محدوديته التاريخية، الطرف الأول لم يعد يضحي بجنوده كما في السابق بل استخدم وسائل جديدة من إرهاب وتكفير وعمالة، بما يجعل حربه من أرخص الحروب بالنسبة له على الإطلاق، أما الطرف الثاني فيبدو أنه ما زال بعيداً عن الاقتناع بعالمية حربه ضد الإرهاب والاستعمار الحديث. الاستثناء من هذا «اللاوعي» هو الوعي الذي يتمتع به الرئيسان… الأسد ولا سيما في في خطابه الأخير وبوتين في تحذيره من شمولية الإرهاب.. هذا الوعي يميز سورية وروسيا وهما الآن يسجلان الذكرى السبعين لإقامة العلاقات بينهما.
صحيفة تشرين