دمشق-سانا
المترجمون من اللغة الإسبانية إلى العربية قلائل ولم ينجح جميعهم في تقديم ترجمة متكاملة للنصوص المكتوبة باللغة التي تحتل المرتبة الثالثة عالميا في الانتشار ولا سيما أن الأدباء والكتاب الذين يستخدمون الإسبانية يعتبرون من أهم المؤلفين في عصرنا الحالي.
من هؤلاء المترجم جعفر علوني الذي يحاول أن يقدم قراءة أخرى للنص الإسباني عند ترجمته بلغة وبجمالية جديدة ورغم أنه يترجم الأدب بمختلف أشكاله فإنه يفضل ترجمة الشعر لميله الشخصي له.
ويعرف علوني الترجمة في حديثه ل سانا الثقافية ولا سيما الترجمة الأدبية منها بانها فعل إبداعي متطور مرتبط بشكل حميمي بالمترجم الذي يقوم بصياغة مفهوم خاص له يتطور كلما ازدادت ممارسته لهذا الفعل الإبداعي.
ويقول علوني “عندما بدأت بترجمة أول كتاب لي عن الإسبانية كان الهاجس الأول هو أن أنقل بحرفية عالية نصاً من لغته الأم الإسبانية إلى اللغة الثانية العربية مع مراعاة الأمانة في النقل أما اليوم فتطور هذا المفهوم بشكل كبير ليتحول من عملية نقل إلى عملية خلق جديد”.
ولولا الترجمة كما يوضح علوني لم نتعرف على شكسبير ولم نقرأ ثربانتس ورواية دون كيخوته بالعربية ولم نتطلع على ما كتبه أفلاطون وأرسطو وسقراط ولم نتعرف على العالم الجديد في علم النفس وعالم اللاوعي الذي تحدث عنه فرويد إضافة إلى دورها في ترجمة نصوص إبداعية جديدة إلى اللغة العربية فضلا عن تأثر العديد من الروائيين والكتاب والشعراء العرب بما وصلوا إليه عبر قراءتهم لفيكتور هيغو وشكسبير وغوته ونيتشه وغيرهم.
ويضيف علوني “المهمة العظيمة التي قامت ولا تزال تقوم بها الترجمة في التعريف على الثقافات العالمية وفي توفير التواصل والتلاقي بين الأنا والآخر المختلف”.
وعن تاثير الترجمة على نقل الشعر قال.. “أنا ميال أكثر إلى ترجمة الشعر والفكر اكثر منه إلى ترجمة الرواية والقصة القصيرة وفي الحقيقة حتى الآن لم أترجم إلا رواية واحدة هي رواية الضباب للفيلسوف ميغيل دي أونامونو وما دفعني إلى ترجمتها هو بعدها الفلسفي والفكري إلى درجة أنني كنت أحس نفسي أمام نص فلسفي وجودي بكل معنى الكلمة”.
ويضيف علوني حول هذه النقطة “ترجمة الشعر تختلف كثيراً عن ترجمة نصوص إبداعية أخرى لأنها أكثر صعوبة فالشعر فيه أوزان وقواف وربما هذا ما دفع الجاحظ إلى القول.. “الشعر لا يترجم ولا يجوز عليه النقل”.
وتابع .. “أرى في ترجمة الشعر نوعاً من التحدي مع النص نفسه بكل تأكيد لن أستطيع أن أخلق نصاً شعرياً مشابهاً للنص الأصلي ولكنني أستطيع أن أقدم إضافة جديدة على النص الأصلي وهي قراءة خلاقة للنص الشعري” موضحا أنه قام بترجمة العديد من الشعراء الإسبان إلى العربية وبالعكس منهم ماريو بينيدتي شاعر الأرغواي وأدولفو غوستافو بيكر حيث انتهى مؤخراً من ترجمة ديوانه الشهير القوافي لكنه اختار كلمة الأغاني بدلاً من القوافي إضافة إلى ترجمته روبن داريو والشاعر المعاصر آكيلينو دوكي.
وبين علوني أن الأدب العربي هو جزء من الأدب العالمي وجميع الآداب تأثرت بعضها ببعض مستشهدا بالإرث الثقافي الكبير الموجود بين العرب وإسبانيا مبينا أن هناك ركيزة وقاعدة أساسية بين الثقافتين مقارنا بمقطوعة شعرية ل سوناتا الشاعر الإسباني الذي يدعى غارثيلاسو دي لا بيغا وقصيدة للمتنبي حيث تقول الأولى.. “اقطفي من ربيعك الجميل الثمرة الجميلة قبل أن يغطي الوقت السريع رأسك الجميل بثلج أبيض”.
أما قصيدة المتنبي فتقول .. “زودينا من حسن وجهك ما دام فحسن الوجوه حال تحول وصلينا نصلك في هذه الدنيا فإن المقام فيها قليل”.
وعن تأثر الكتاب العرب بالأدب الإسباني قال علوني “إن التأثر متبادل بينهما فهناك العديد من الكتاب العرب الذين تأثروا بالأدب الإسباني والآداب الأخرى بشكل عام كذلك هناك العديد من الكتاب الإسبان الذين تأثروا بالأدب العربي وغيرها من الآداب العالمية”.
وعن رأيه بالأدب الإسباني فقال.. “هو أدب متنوع وإنتاج وفير ومواهب متعددة في شعاب مختلفة تناوبت فيه الأجناس وخاصة عقب الحرب الأهلية الإسبانية 1936-1939ولدى وفاة فرانكو عام 1975 اختبرت إسبانيا تغيرات عميقة على كل الأصعدة السياسية والاجتماعية والثقافية”.
ويتابع علوني.. “طغى الشعر في إسبانيا أثناء الحرب وبعدها بشكل كامل وكلنا يتذكر مجموعة ال27 الشعرية ومجموعة ال36 في فترة الخمسينيات وحتى السبعينيات كان للمسرح حضور لافت تحت إشراف النظام القائم آنذاك ثم بعده جاءت الرواية بتنوعاتها ونزعاتها المختلفة ليعود الشعر بعدها على الساحة لكن للرواية اليوم الوقع الأكبر عند الإسبان وذلك بسبب الإرث الغني والكبير لهذا النوع الأدبي”.
يذكر أن جعفر العلوني من مواليد دمشق 1989م حاصل على إجازة في اللغة الإسبانية وآدابها في جامعة دمشق بمرتبة الشرف يعمل حالياً كمترجم ورئيسا للمكتب الصحفي في الهيئة العامة السورية للكتاب كما يعمل أستاذا محاضرا في قسم اللغة الإسبانية وآدابها بجامعة دمشق.
له العديد من الكتب المترجمة أهمها تجريد الفن من النزعة الإنسانية و دون كيخوته دي لامنشا للأطفال والأدب الإسباني في القرن العشرين إضافة إلى رواية الضباب ومسرحية المنور قيد الإصدار له العديد من المقالات المكتوبة والمترجمة في صحف ومجلات سورية وعربية وإسبانية أهمها فكر والمعرفة والسفير والآخر.
محمد الخضر وشذى حمود