لفت نظري أحد الكتاب العرب عندما أشار في إحدى مقالاته إلى تشابه الحروف بين كلمتي (سورية وروسيا), فكلتا الكلمتان تتكون من خمسة حروف متماثلة, وما عليك إلا أن تبدل مواضع الحروف لتحصل على الاسم نفسه!.. فقلت في نفسي لا بدّ أن هده المصادفة لها علاقة بالصمود الذي يبديه البلدان, فسورية وروسيا تخوضان حرباً شرسة ضد قوى الاستكبار العالمي المتمثل بأمريكا وحلفائها في حلف شمال الأطلسي. ويبدو أن كل من راهن على فك هذا الترابط بين البلدين قد خسر الرهان.
فمند بداية الأزمة في «سورية» قبل أربع سنوات وكل المحللين العرب وغير العرب كانوا يقولون إن روسيا سوف تتخلى عن «سورية» بعد أشهر من احتدام الأزمة, وسوف تبيع القضية من أجل مصالحها, لأن مصالح روسيا مع أمريكا والغرب أهم من «سورية». ولكن الذي يجهله أو يتجاهله هؤلاء الكتاب أن العلاقة بين (سورية وروسيا) هي علاقة مصير وليست علاقة مصالح فقط, وهي علاقة استراتيجية طويلة الأمد وليس علاقة تكتيكية قصيرة المدى, وهي علاقة تقترب من أن تصبح ايديولوجيا وعقيدة في مواجهة قوى الاستكبار والظلم والعنجهية الغربية.
الذي نسيه أو تغافل عنه هؤلاء الكتاب أن روسيا اليوم تخوض معركة وجود لا معركة مصالح, معركة وجود أمام أمريكا والغرب, فحلف شمال الأطلسي على وشك أن ينقل حربه وأساطيله وجنوده من الشرق الأوسط إلى الشرق الأقصى ليضعها أمام السواحل الروسية لاستنزافها ثم القضاء عليها.
لذلك كله فسورية بالنسبة لروسيا ليست دولة عادية أو دولة مصالح أو دولة مرحلة, بل هي بالنسبة لروسيا تعدّ الجبهة الأمامية للمعركة الكبرى مع حلف شمال الأطلسي الاستعماري, وهي قوة الممانعة الأولى على سواحل البحر الأبيض المتوسط والذي لا تستطيع روسيا الوصول إليه إلا من خلال السواحل السورية, وهي حجر الزاوية في معركة الغاز الاقتصادية الكبرى التي تخوضها روسيا ضد الغرب وأمريكا. فروسيا تدرك أن هزيمة «سورية» (لا سمح الله تعالى) تعني انتصار حلف شمال الأطلسي عليها حتماً.
«سورية» ليست مهمة بالنسبة لروسيا فقط, بل هي بالأهمية نفسها بالنسبة للصين أيضاً, وليس أدل على هذا من الفيتو المزدوج الذي رفعته روسيا والصين في مجلس الأمن أكثر من مرة, والكل يعرف أن «فيتو» واحداً ترفعه روسيا كافٍ لتعطيل أي قرار, ولكن الصين أصرت على رفع «فيتو» مزدوج لإيصال الرسالة إلى الغرب وأمريكا بأن «سورية» خط أحمر.
الذي يغفل عنه هؤلاء الكتاب أن روسيا والصين اليوم تشكل نواة تحالف دولي كبير لدول شرق الكرة الأرضية وجنوبها متمثلا في تحالف دول البريكس وتحالف منظمة شنغهاي, هذا التحالف الدولي يخوض اليوم معركة مصيرية على المستوى الاقتصادي والعسكري والفكري ضد دول الغرب وأمريكا و«إسرائيل», وهذا التحالف الدولي (الشرق جنوبي) يعد أن سورية تخوض اليوم بالنيابة عنه معركته المقدسة ضد محور الاستكبار والعنجهية والاستغلال.
قد يقول قائل: ما الفرق أن نكون نحن العرب حلفاء لروسيا أو حلفاء لأمريكا , فالأمر سيان مادمنا مجرد حلفاء هنا وهناك, نقول له: الفرق كبير بين أن تكون حليفاً بمرتبة (شريك في الأمر) وبين أن تكون حليفاً بمرتبة (تابع ليس لك من الأمر شيء), والفرق كبير بين أن تكون حليفاً لأمريكا حليفة «إسرائيل» والداعم الأول لها وبين أن تكون حليفاً لروسيا التي ساعدت العرب والمسلمين في حروبهم ضد «إسرائيل», والفرق كبير بين أن تكون حليفاً لدولة تستخدمك كقاعدة لانطلاق طائراتها لاحتلال وضرب الدول العربية والإسلامية وبين دولة تساعدك لتصد هذا العدوان.
بقلم: معن الجربا-كاتب سعودي