ربما كان مؤتمر “إنقاذ اليمن” المنعقد في عاصمة آل سعود، والذي وصفه السفير الروسي في الأمم المتحدة فيتالي تشوركين بالحوار الذي لا ينتج شيئاً، أهم المؤشرات التي ظهرت مؤخراً على فشل “غزوة صنعاء” عبر وهم الحزم والحسم العسكري، لكن ما يسجل له أنه أعلن بدء مرحلة جديدة للعدوان، ولكن هذه المرة تحت عنوان دستوري، وبالتحديد عبر الإشراف المباشر على كتابة دستور يمني جديد يحدد، بحسب رئيس الهيئة الاستشارية للمؤتمر، صلاحيات المراكز، والأقاليم، والولايات، وفي هذه الكلمات تحديداً تكمن القطبة المخفية في هذه “الهمروجة” الإعلامية.
والحال فإن “آل سعود”، الذين يعرفون أن لا وزناً فعلياً لـ “هادي” وجماعته على أرض اليمن، بدؤوا عملية تفتيت الدولة بالدستور، حيث الإصرار على “الأقاليم الستة” و”فصل الجنوب”، في استلهام كامل لآليات تفكيك الدولة والمجتمع التي رسّخها “دستور” المحتل الأمريكي في العراق، وهو عين ما يحاولون فعله في سورية، عبر ورشات عمل مكثفة في مراكز أبحاث أمريكية تضم سوريين للأسف، في سياق الهدف الصهيوأمريكي الحقيقي، وهو تفتيت الدول العربية المركزية لصالح قبائل وكيانات مذهبية وعرقية بحدود دموية ملغمة، تخوض فيما بينها حرب المئة عام القادمة.
وربما كانت مفارقة أن يجتمع يمنيون لكتابة دستور بلدهم في بلد لا يعترف بالدستور أصلاً، فما يسمى بـ “نظام الحكم الأساسي” للمملكة ليس أكثر من أوراق لم يقرأها أحد أصلاً حتى يعمل بها، فيما نظام “هيئة البيعة”، يمزقه كل ملك جديد صباح انتهاء مبايعته من “البيت الأبيض”.
ولعل “السابقة اللبنانية” شجّعت “المملكة” على السير في هذه الخطوة، فقد صيغ دستور إضعاف لبنان وتفتيته واقعياً، في مدينة الطائف السعودية، ومن مآثر هذا الدستور أننا نقترب هذه الأيام من الذكرى السنوية الأولى للفراغ الرئاسي دون قدرة اللبنانيين على اختيار رئيس جديد لهم، فبما أن الدستور هو بالتعريف “مجموعة القواعد الصادرة عن مشرّع دستوري والتي تنظم عمل السلطات العامة في الدولة وتتناول الحريات والحقوق الأساسية للمواطنين وكيفية وآليات حمايتها”، فإن السلطات العامة اللبنانية، كياناً وعملاً، أصبحت بيد المشرّع الخارجي، وهذا ما أدى، بالمحصلة النهائية، إلى أن تصبح الخيانة وجهة نظر، وإنجاز القلمون اعتداء على الدولة، وحماية الإرهابيين بناء لها، وهذا “الطائف” هو ما يراد تعميمه على الجميع، كي تبقى البلاد، مطلق بلاد، مشرعة لهيمنة الخارج!.
بيد أن “اجتماع الرياض” يطرح أسئلة أخرى، تتعلق بالشكل والمضمون والنتيجة المتوخاة للدستور العتيد، فإذا كانت القوى المجتمعة قد اتفقت على الدستور قبل الحوار، كما قال رئيس الهيئة الاستشارية للمؤتمر، فما الداعي للحوار أصلاً؟، ثم إن سوابق معرفة الجميع بالعقل المدني الديمقراطي لـ “آل سعود”..!!، تشي بأن الدستور اليمني الجديد لن يخلو من مادة تفتح أبواب السجون، وربما ساحات الإعدام، لمن يجرؤ على “الخروج على ولي الأمر” وولي وليه طبعاً، ومن يتجرأ أيضاً على انتقاد “الذات الملكية”، وربما يحصّل “هادي” شيئاً من حصانة هذه “الذات”، كما يمكن له أن يضم تشريعاً دستورياً “للقاعدة” بوجهها التكفيري عبر تشريع عمل “هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” أو ما يعرف بالمطوعة.
كل المؤشرات تقول: إن الفشل السعودي باق .. ويتمدد، وأن “مؤتمر الرياض” ليس سوى تعبير عن ذلك، وربما كانت دعوة المبعوث الدولي الجديد في افتتاح “مؤتمر الرياض” إلى “استئناف المحادثات في جنيف نهاية الشهر الجاري”، تؤكد، إلى جانب غيرها من المؤشرات، على أن ما حققته “عاصفة الوهم” فعلاً أنها عصفت برداء الدفاع عن الإسلام، الذي كان يتغطى به آل سعود، كما عصفت بسيف الخوف الذي كانوا يسيطرون به على الشعب اليمني وعلى شعب نجد والحجاز، الذي هو مجرد “قطعة أثاث عند آل سعود”، بحسب الطبيب السعودي المعارض عبد الرحمن العسيري.
بقلم: أحمد حسن