دمشق-سانا
تعالج وزارة المالية في إطار جهودها لإنجاز الإصلاح المالي ومكافحة التهرب الضريبي ثلاث قضايا وهي التعرفة الجمركية والإنفاق الاستهلاكي وإعادة تصنيف المكلفين ضريبيا في وقت يرى فيه مراقبون أن إجراءات مكافحة التهرب الضريبي لاتزال “حبرا على ورق”.
وأصدرت الهيئة العامة للضرائب والرسوم العديد من المراسيم والقوانين التي نصت على الإعفاء من الجزاءات والفوائد والغرامات إلا “أن حجم التهرب ما زال مجهولا ومعرفة الرقم الحقيقي لمقداره مسألة مستحيلة” كما يرى مدير عام الهيئة العامة للضرائب والرسوم عبد الكريم الحسين.
ويوضح مدير التشريع الضريبي في الهيئة “علي عكر” أن للتهرب الضريبي أشكالا منها ما هو “مشروع” من استغلال المكلف لبعض الثغرات القانونية وغير مشروع بمخالفة الاحكام النافذة بالغش والاحتيال وإخفاء بيانات بعض السلع المستوردة وتقدير قيمة هذه السلع بقيمة أقل من قيمتها الحقيقية وتقديم فواتير مبيعات مغايرة للواقع وبيانات غير صحيحة وعمل بعض المكلفين في الظل دون معرفة الدوائر المالية.
ويرجع عكر أسباب التهرب إلى “ضعف الوعي الضريبي وعدم وجود عدالة بين المكلفين والتوسع في تفسير الاستثناءات دون نص قانوني وشعور المكلف بتعدد الضرائب المفروضة عليه وضعف الخدمات المقدمة مقابل الضريبة وعدم الثقة بالدوائر المالية وعدم التمييز بين المكلفين الملتزمين والمتهربين ما يدفع الملتزم للتهرب من الضريبة”.
ويرى عكر أن غياب محاكم ضريبية مختصة تفصل بالنزاعات بين المكلفين والدوائر المالية من الاسباب التشريعية للتهرب الضريبي لأن علاقة المكلف بالدوائر المالية “علاقة الضعيف بالقوي” واعتراضاته في تطبيق القانون الضريبي تكون للدوائر المالية التي هي نفسها التي تفرض الضريبة فالدوائر المالية هي التي تفصل في النزاعات بينها و بين المكلفين دون الرجوع للقضاء.
ويعتبر مدير التشريع الضريبي ان طرق مكافحة التهرب الضريبي تكون من خلال تبسيط الاجراءات ومنح مزايا واعفاءات واضحة وزيادة كفاءة الادارة الضريبية واشراك الجهات المعنية في أي تعديل ضريبي وزيادة الوعي من خلال برامج توعية وإعادة النظر بالعقوبات النافذة على المتهربين وإعداد قانون الضريبة الموحدة وتطبيق نظام الفوترة وتضافر جميع الوزارات لجمع المعلومات عن المكلفين وتوريدها للدوائر المالية .
ومع بداية عام 2015 أصدرت تشريعات تتعلق بإعادة النظر بالية تكليف مكلفي ضريبة الدخل من زمرة الدخل المقطوع ومجموعة من الاصلاحات برسم الانفاق الاستهلاكي وتعديل نسبه على جميع السلع والخدمات.
وانطلاقا من أن حجم التهرب كبير يرى خبراء أنه لا يوجد لدى الهيئة سياسات أو أدوات أو اتجاهات في الاصلاح الضريبي متسائلين “إذا لم تطبق الضريبة الموحدة في فترة الرخاء الاقتصادي بسورية فكيف سيتم تطبيقها خلال الأزمة الراهنة”.
ويسأل الدكتور مدين الضابط الاستاذ في جامعة تشرين “أين اصبحت الثروات خلال الأزمة الراهنة وإلى أين تتجه وهل لدينا الادارة القادرة على تشخيص الحلول ومعالجة حجم التهرب الكبير ومضاعفته في المناطق الآمنة رغم تضاعف الثروات والمطارح الضريبية”.
ويرى الضابط ان الحل يكمن “بوضع استراتيجية على مستوى الدولة تتعلق بالاصلاح الضريبي وتفعيل الادارات وأدوات الرقابة ضمن الدوائر المالية واصلاح التشريعات ومجموعة من الإجراءات تتعلق بعملية التصنيف وضبطها للوصول إلى الرقابة على الأداء”.
ويقول أستاذ الجامعة إن “الاقتصاد السوري في جزء كبير منه غير رسمي وخارج دائرة الضوء الضريبي لكن ليس مستحيلا تحديد حجم التهرب “مبينا أن القدرة على قياس التهرب الضريبي تتطلب الاجابة على تساؤلات منها هل هيئة الضرائب والرسوم قادرة على إعطاء الأرقام الحقيقية المتوجب تحصيلها لكل نوع من أنواع الضرائب ولكل مديرية مالية وأين اتجاهات الضريبة ومن أي فئة وأي مكلف وأي نشاط .
ويرى الضابط أن “مشروع الاصلاح الضريبي ليس رفاهية بل موضوع اجباري في ظل نفاد موارد الدولة نتيجة الازمة الراهنة وخروج النفط والسياحة من قائمة دخل الموازنة والابقاء على الضرائب” داعيا إلى متابعة الاصلاح الضريبي في المحافظات الآمنة والبحث عن منافذ ضريبية جديدة حتى ولو كانت صغيرة لكنها تجمع عشرات المليارات في نهاية العام وخاصة فيما يتعلق بضريبة ريع العقارات التي اتجه رأس المال للاستثمار بها مستغربا “من أن يدفع من يملك عقارا قيمته 300 مليون ليرة سورية و”فيلا” ومسبحا ومزرعة مثقفات ضريبة أقل من الموظف وأستاذ الجامعة”.
وفيما رفض معاون وزير المالية جمال مدلجي الحديث لسانا عن التهرب الضريبي نظرا لوجود هيئة متخصصة بالضرائب أكد أهمية تطبيق نظام الفوترة وتداول الفاتورة بين مختلف الحلقات التجارية في كشف حالات التهرب الضريبي داعيا إلى “البحث عن منافذ ضريبية جديدة حتى لو كانت صغيرة لرفد خزينة الدولة بأموال هي بأمس الحاجة إليها في المرحلة القادمة”.
بدوره يقول المحاسب القانوني فؤاد بازرباشي أن إجراءات المالية التي تنطلق من مبدأ “جميع المكلفين متهربون حتى يثبت العكس” تدفعهم إلى التهرب الضريبي إضافة لأسباب أخرى منها انعدام الثقة بين الدوائر والمكلفين وعدم الرد على اعتراضاتهم وأحجام اللجان عن أخذ دورها داعيا إلى إعادة الثقة المفقودة بين الدوائر المالية والمكلفين ودراسة الاضابير بعقلنة ضمن القوانين والأنظمة معتبرا “أن من أسباب لجوء المكلف إلى أساليب للتخفيف من العبء الضريبي هي نتيجة شعوره بالغبن”.
طلال ماضي