لا يدرك طبيعة العلاقة التي تربط الشام بالجزائر سوى السوريين والجزائريين، فقد شكلت العلاقات الأخوية بين البلدين منذ حرب الاستقلال وحتى اليوم تاريخاً مشتركاً من النضال والكفاح في سبيل الاستقلال وتحرر الأمة العربية من الاحتلال الأجنبي، وهذه العلاقة تشكل اليوم القاعدة المتينة لاستعادة العرب تضامنهم وتعاونهم في وجه التحديات المستجدة.
التاريخ يشهد كيف دعمت سورية الشعب الجزائري في نضاله البطولي ضد المحتل الفرنسي، وكيف فتحت دمشق قلبها واستقبلت المناضل الأمير عبد القادر الجزائري عام 1856 ليعيش فيها بقية حياته عندما نفاه المستعمر الفرنسي عن وطنه، وذاكرة الجزائريين مازالت تحفظ وتستذكر ملايين التلاميذ والطلاب السوريين الذين دأبوا كل صباح ولسنوات عديدة إبان ثورة التحرير الجزائرية على تحية العلم السوري مقرونة بالنشيد الوطني الجزائري.
والكل يعلم أيضاً الدعم الذي قدمته الجزائر لسورية في حرب تشرين التحريرية ضد العدو الإسرائيلي، وهي تقف منذ عام 2011 إلى جانب سورية وشعبها في مواجهة الإرهاب وتؤكد حرصها على سيادة سورية ووحدة أراضيها ورفض التدخل الخارجي في شؤونها الداخلية واستمرت بالتعاون مع الدولة السورية في ظل هجمة إرهابية غربية ضد دمشق انخرطت فيها بعض الأنظمة العربية. واليوم تتجدد هذه العلاقة النضالية في ظل قيادتي البلدين وحرصهما على تمتين العلاقات الثنائية وتنقية الأجواء العربية بما يخدم مستقبل العرب جميعاً.
اليوم تؤكد الجزائر التي ستستضيف القمة العربية المقبلة حرصها على لمّ الشمل العربي في القمة عبر مشاركة الجميع ومنهم سورية العضو المؤسس للجامعة بهدف جمع كلمة العرب وتقوية الإرادة العربية المشتركة من أجل مواجهة التحديات الجماعية، وقد قال السيد الرئيس بشار الأسد في إحدى مقابلاته مؤخراً إنه ربما يكون الوزن الوحيد لهذه القمة أنها تُعقد في الجزائر.
إن السياسة السورية تنسجم مع سياسة الجزائر بضرورة لمّ الشمل العربي المشتت وتقوية الحضور العربي في ظل المتغيرات الدولية، حيث أكدت سورية انفتاحها لعمقها العربي وضرورة أن يتجاوز العرب خلافاتهم وأن ينظروا للمستقبل لإعادة جسور التواصل والتعاون لترميم الخسائر التي أصابت العرب جميعاً وتلافي المزيد منها عبر الحوار والاحترام المتبادل وبناء العلاقات التي تخدم العرب جميعاً وتضمن السلام والأمن لهم.
وتشكل الزيارات المتبادلة التي قام بها وزير الخارجية فيصل المقداد إلى الجزائر بالتزامن مع إحيائها الذكرى 60 للتحرر من الاستعمار الفرنسي وكذلك زيارة وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة إلى دمشق بالأمس ولقاؤه مع الرئيس الأسد مدخلاً مهماً لتمتين العلاقات الثنائية وتوسيعها من جهة، ورأب الصدع العربي الذي يعاني من التناحر والتباعد من جهة ثانية.
القمة العربية المقبلة في الجزائر ربما تحمل أخباراً طيبة عن حضور سورية ولمّ الشمل العربي بعد التشتت والتفرقة، لاسيما أن الوزير الجزائري حمل رسالة خطية من الرئيس عبد المجيد تبون إلى الرئيس الأسد ونقل رسالة جوابية. وبالرغم من أن أي تأكيدات بخصوص الحضور لم تتسرب من الاجتماعات، لكن يبقى العمل العربي المشترك في صميم السياسة السورية والجزائرية.
وترى الجزائر اليوم أن العالم العربي بحاجة إلى سورية وليس العكس، كما قال الوزير لعمامرة، ومن هذا المنطلق تتحرك الدبلوماسية الجزائرية قبيل انعقاد القمة، وسواء حضرت سورية في القمة أو لم تحضر، فإن مسار العودة إلى دمشق بدأ ولو ببطء، وكما دمشق بحاجة إلى هذه العودة، العرب بحاجة إلى دمشق أيضاً.
التحديات التي تواجه الدول العربية اليوم تستوجب إعادة النظر في سياسات ثبت فشلها، ورهانات لم تزد العرب إلا تشتتاً وضعفاً، ودمشق اليوم تنظر للمستقبل وهي ترحب بأي تنسيق أو مشاورات عربية- عربية للوصول إلى موقف موحد لمواجهة التحديات، فسورية كانت وستبقى في قلب العمل العربي المشترك.