محفل رعاة الإرهاب

لا تشعر واشنطن بالحرج وهي تجمع رعاة الإرهاب بين جنباتها، ولا حين توكل للسعودية مهمة جمع العسكريين والاستخباراتيين منهم، بقدر ما تتعزز قناعتها بأن مهمة توظيف الإرهاب لا تزال سارية المفعول حتى إشعار آخر، حتى لو اقتضت الضرورة تعديلاً رمزياً هنا أو تغييراً تكتيكياً هناك.

بين واشنطن والرياض ثمة جسور من التفاهم المتبادل رغم الترهل السياسي والميداني الذي يحاصر الدور السعودي، وتطابق أكثر وضوحاً في الأجندات المتحركة التي تقتضي حداً أدنى من التوثيق لكثير من الوقائع على الأرض، باعتبار أن جزءاً من المتغيرات كان صادماً، بينما النتائج بمجملها تتجه نحو مواجهة مفتوحة، تقتضي إعادة ترتيب الأوراق والأدوار وفقاً لحصيلة المرحلة الماضية، التي تسيجها حسابات ومعادلات مغايرة.‏

الأمر ينسحب على التركي المستبعد في بعض جوانبه، الذي وقّع هو الآخر على صك يضمن له الحماية السياسية من واشنطن لتدريب الإرهابيين أو من بقي منهم في ربوع الرعاية التركية، وهو الذي أُسقط في يده بعد التطورات الميدانية التي يحققها الجيش العربي السوري، حيث الاختلاف مع الأميركي لم يكن على الفكرة بقدر ما كان على التوقيت، وفي بعضها على المقاييس والمعايير التي تريد عبرها أنقرة أن تكون شريكاً في تحديد هوية الإرهابيين ومشاربهم ومعادلاتهم الإقليمية، التي تستطيع من خلالها أن تقارع السعودي وقد تتفوق عليه في هذا الجانب، بحكم أنه مختص بإنتاج الإرهابيين، بينما تدريبهم يحتاج إلى مستويات لا يجيدها السعودي، ولا يمتلكها القطري، ولا يقوى عليها الأردني، وقد قدم أردوغان وحكومته قرائن أقنعت الأميركي بمقدراته ومؤهلاته على ذلك.‏

تحت هذه العناوين المختلفة يلتقي الجمع المحفلي على وقع المستنقعات الإضافية التي حضرتها واشنطن بالتنسيق مع داعش، لتكون هي الأخرى ذراعاً ممتدة إلى الساعد الأميركي، وقد أشهرت رغبتها وتمنياتها بنيل القبول الأميركي، لتكون نسخاً أساسية، وفي الحدّ الأدنى احتياطية تتيح لها إعادة تدوير الزوايا، لتتوافق مع الرغبة الأميركية في توسيع دائرة الخراب وتعميم الفوضى، لتناسب مقاس أميركا كدولة عظمى لا تقبل بالقليل من الفوضى.. ولا ترضى باليسير من الخراب.‏

جو بايدن نائب الرئيس الأميركي لم يكتف بما توفر داخل المحفل من أجندات، بقدر ما ذهب بعيداً في توصيف دقيق للخطوات والمحددات التي يمكن من خلالها أن يحوز المشاركون الأوروبيون على الرضا الأميركي، حين تحدث عن تعميم النموذج الأميركي في تدجين المجتمعات، وفي تسويق ثقافة الاستلاب، لتكون وفق مقتضيات وحاجات النسق الأميركي في المرحلة القادمة، حيث الهيمنة الأميركية التي كانت تصطدم في الأغلب بممانعات ثقافية أوروبية، باتت اليوم مرحباً بها تحت عنوان مكافحة الإرهاب ومواجهة الفكر الإرهابي.‏

انطلاق المحفل العالمي لدعم الإرهاب بشقيه السياسي بحامله الثقافي.. والعسكري بحامله الأمني والاستخباراتي في كل من الرياض وواشنطن ليس وليد المصادفة، ولا هو توقيت قاده ازدحام المواعيد إلى أن يكون بالتوازي بقدر ما هو عمل مخطط مسبقاً ومعمول عليه افتراضياً، وإن كان العنوان مختلفاً ومغايراً أو مدعياً في سياق آخر، في كل من الرياض وواشنطن، حيث ما عليه أكثر بكثير مما له، في وقت لا تختلف فيه المقاربات عن النسق الذي مهد لحضور الإرهاب في المنطقة والعالم.‏

في المبدأ.. كل من يشارك في الاجتماعين له أصابعه المتوغلة في سراديب الإرهاب بالمشاركة المباشـرة، طويلة كانت أم قصيرة، ويمكن أن نستعرضهم اسماً اسماً دون حرج، ومن وقف لبعض الوقت خارج الدائرة أو على حوافها الخارجية يجد أقدامه وقد باتت في منتصفها، بعد أن وصل البلّ إلى رأسه في متوالية أميركية عددية وهندسية محكمة الإطباق.‏

ما فات الأميركيين أن المحفل بكل ما احتواه ليس أكثر من تراكم فشل مزمن ينفخ في رماد الأوراق المحترقة، ويعيد تدوير مخلفات الأدوات التي فقدت صلاحية استخدامها وسط أمواج من الانتكاسات، الناتجة عن متغيرات ميدانية، باتت لا تسمع فيها إلا أصوات الاستغاثات من المرتزقة ورعاتهم الإقليميين والأوروبيين على وجه التحديد، وسط حالة من الهذيان الإسرائيلي- التركي المتطابق في تعداد الانهيارات المحتملة، لما أنتجته سنوات التنسيق جنوباً وشمالاً، حيث التشابه يكاد يصل حدود الاستنساخ، مع فارق الوتيرة والأجندات التي تعيد رسم تموضعها داخل المشهد الدولي كله.‏

الخطأ الأميركي يتكرر اليوم بصورة أكثر بشاعة من السابق، مصدر التفاخر فيه أن الأميركي نجح في تعميم الخراب والفوضى، وأكمل حلقة أدواته بإغراق من استمهل الغرق في مستنقع داعش، وفتح المنطقة لتكون ساحة حرب لا سقف لها، بجبهات متنقلة يتم توقيتها وفق مصلحة هيمنته، التي تكابر في مواجهة أعاصير التلاشي والاندثار.‏

بقلم: علي قاسم

انظر ايضاً

ما وراء طرح دولة منزوعة السلاح ..؟ بقلم: ديب حسن

أخفق العدوان الصهيوني في غزة وعرى الكيان العنصري أمام العالم كله، ومعه الغرب الذي يضخ …