ابشر بطول سلامة يا إرهابي!

تمخض اجتماع وزراء داخلية الدول الغربية غداة مذبحة “شارلي أيبدو” للتدارس في كيفية مكافحة الإرهاب عن: مراقبة الانترنت، وتبادل لوائح المطلوبين، وركاب الطائرات، وأكثر من ذلك، وعد أمريكي بأن تستضيف واشنطن اجتماعاً آخر بعد أكثر من شهر كامل من الآن..!!، وهو ما لا يمكن قراءته، بالنظر لقوة ومكانة الدول المشاركة، سوى بأنه شهر سماح للإرهاب يفعل فيه ما يشاء وأينما شاء.

والحال فإن الوقائع تقول بالفم الملآن: لا جدية بعد في الحرب على الإرهاب، بدءاً من “هوليوودية” الطلعات الجوية لـ “تحالف أوباما” ضد تنظيم “داعش”، وصولاً إلى تصدّر رعاة وممولين وداعمين كبار للإرهاب والإرهابيين مسيرة فرنسا المنددة بالإرهاب!!..

وبالطبع لا تقتصر مؤشرات عدم الجدية على ذلك، فهناك الكثير غيرها، ومنها مثلاً محاولة رسميين لبنانيين إبعاد التهمة في “مذبحة جبل محسن” الأخيرة، عن “جبهة النصرة”، رغم اعترافها العلني بذلك، وإلصاقها بـ “داعش”، وهما في الإرهاب إخوة مسار ومصير، لكن “النصرة” التي تختطف جنوداً لبنانيين وتقطع رؤوسهم، هي تجمع “ثواراً وطنيين” في نظر “زعيم تقدمي” لبناني وسطي، وأداة “معتدلة” بيد “إسرائيل”، و”تقوم بعمل جيد” وفق وزير الخارجية الفرنسي “لوران فابيوس”، ما اقتضى تصدي أصدقائها لحمايتها حتى من اعترافها بالإرهاب.

ومن هذه المؤشرات، وهو أمر يخصنا كسوريين، رفض “المعارضات” لقاء موسكو التشاوري، وهو رفض يعني، بصراحة، نجاح محور الإرهاب في وأد أي خطوة سلمية للحل، واستمراره في دعم النهج الإرهابي، وإن كنا بالطبع لا نضع جميع هذه “المعارضات” الرافضة في سلة واحدة، فبعضهم، وتلك حقيقة مؤسفة، جاء رفضه من منطلقات رغبوية طفولية ما زالت تغمض العين عن كل المياه الملوّثة بالإرهاب وغيره التي جرت في نهر الأزمة منذ وقت طويل، وبعضهم ينتظر، وتلك حقيقة مؤسفة أخرى، أن تؤدي 11 أيلول الأوروبية إلى عودة التفكير بضربة عسكرية لسورية، بينما جاء رفض البعض الآخر، وتلك حقيقة مؤكدة، لسبب واحد: جاءت الأوامر بعدم الذهاب إلى موسكو فنفذها، فقط لا غير.

مما سبق، يتضح أن الساحة ما زالت مفتوحة على مزيد من التأزيم والإرهاب، خاصة ونحن نتابع العمليات التحضيرية لمسلسل “نووي سوري جديد” على صفحات صحف معينة، فمن “دير شبيغل” الألمانية التي “اطلعت على وثائق حصرية وصور أقمار صناعية تثبت ذلك”، واستمعت إلى “المحادثات التي توافرت من مصادر استخباراتية”، التقطت الراية، صحيفة “عكاظ” السعودية، المعروفة بمصداقيتها ومهنيتها..!!، والتي وجدت بدورها مصدراً موثوقاً جداً..!! يؤكد لها الأنباء النووية، وبالطبع ستخرج علينا في أي لحظة وسيلة إعلام مهنية أخرى، لتدلي بشهادتها عن رؤية “القضبان النووية” بالعين المجردة.

لكن الحق يقال: إن مذبحة “شارلي أيبدو”، تقدّم للجميع فرصة التركيز على الإرهاب، بيد أن الأمر بحاجة إلى نيات جدية وقرارات حاسمة، ورجال دولة تعنيهم مصالح بلادهم العليا أكثر من أرقام حساباتهم في البنوك، و”أقمار صناعية وأجهزة استخبارات” تتابع تحركات الإرهابيين وخططهم و”محادثاتهم”، ولا تنشغل بفبركة الروايات “الكيماوية والنووية” الكاذبة، و”مجتمع دولي” يضع نصب عينيه تنفيذ قراري مجلس الأمن الشهيرين، ويبدأ بالتركيز على إغلاق “أوتستراد” الإرهاب التركي، الذي مرّت منه مؤخراً، باعتراف رسمي تركي، “حياة بومدين” الإرهابية المطلوبة فرنسياً، وإغلاق “حنفية” التمويل السعودية القطرية تحديداً، وإغلاق قنوات فضائية ومدارس ومعاهد التكفير التي تشكل “الوهابية” جذرها الفكري، والقطع البات مع السياسات الداخلية والخارجية الرسمية التي تجعل من فرنسا مثلاً داعمة للإرهاب في الخارج وبيئة حاضنة له في الداخل.

ولأن أمراً مثل هذا مستبعد جداً، في عالم يؤمن بالقوة والغزو والعدوان، ويعتبر “الإرهاب” مكوّناً أساسياً في سياساته، فليس لنا سوى أن نردد، ولو بتصرف، ما قاله شاعرنا القديم: “ابشر بطول سلامة يا إرهابي”.

بقلم: أحمد حسن