الباحثة الهام أبو السعود.. الملحنة الوحيدة في سورية وأول مايسترو عربية

دمشق-سانا

إلى جانب تجربتها الغنية في العزف والتلحين والبحث والتعليم تمتلك الباحثة الموسيقية الهام أبو السعود شخصية آسرة تتميز بالتواضع والشغف الفني والحيوية وحب الحياة بالرغم من بلوغها الثالثة والثمانين من العمر فلا تزال تشارك في النشاطات الفنية وترتاد النوادي والمراكز الثقافية وتخرج مع صديقاتها للتسوق وتزور أقاربها وتواظب على الكتابة في المجلات المتخصصة بالموسيقا وتلحن وتعزف وتقدم الأبحاث المتميزة أمام الجمهور دون أن تستسلم للتقاعد.

ويحق لها أن تفخر بكونها أول مايسترو عربية والملحنة الوحيدة في سورية وبتفردها في التلحين للأطفال وتبرر ذلك في حديث لسانا الثقافية بأن أيا من الموسيقيات السوريات لم تمتلك الجرأة على خوض غمار التلحين وربما كان السبب في ذلك برأيها عدم امتلاك الخبرة أو الخوف من المجازفة أو عدم القابلية والاستعداد لدى الأخريات كما أن أحدا من الموسيقيات لم تطلب منها أن تتدرب على التلحين وتستفيد من خبرتها ومن حاولت منهن التلحين فشلت بسبب عدم المثابرة وقلة الصبر أوربما بسبب الغرور الذي أصابها.1

وبالرغم من حصولها على اثنتي عشرة جائزة حتى الآن إلا أن الفنانة أبو السعود تعتز بتكريمها موءخرا في مهرجان الأغنية العربية الثالث والعشرين في القاهرة “عرفانا بدورها المتميز في نشر ودعم الموسيقا والفن الأصيل في ربوع الوطن العربي” وإن كانت تتمنى أن يكون هذا التكريم في بلدها سورية.

في رصيدها مئتان وسبعون أغنية لحنتها للأطفال اختارت نصوصها من دواوين سليمان العيسى وشوقي بغدادي وشعراء آخرين متوخية السهولة في الألفاظ والبحور الشعرية الرشيقة والخفيفة فتجلس ساعات وأياما إلى آلة البيانو في منزلها الأنيق الذي يشبهها حتى تحصل على اللحن المطلوب فتسمع اللحن لكل المحيطين بها لكي تستفيد من ملاحظاتهم ومما لحنته من أغنيات بيئية توجيهية تعلم الطفل النظافة ومحاسن الاخلاق وحب البيئة ومنها أغنية “بيئتي النظيفة” التي تضم الغناء مع التمثيل.

وتختصر أبو السعود المولودة في دمشق 1931 تعريفها للموسيقا بقولها “الموسيقا هي حياتي.. فهي تمنحني الراحة النفسية عند سماعها لكونها تدخل قلبي وروحي” فإذا كانت الموسيقا تساعد على الشفاء من بعض الأمراض وتساعد النبات على النمو فكيف يكون تأثيرها على الأطفال الذين يجب أن نسمعهم مقطوعات تناسب أعمارهم و نغذيهم موسيقيا ونربي فيهم حب الاستماع وننمي ذائقتهم ليتشكل وعيهم الموسيقي و لكي يمتلكوا في المستقبل ثقافة موسيقية سواء بحسن الاستماع او بالتعرف على أهم الموسيقيين العرب والأجانب..كما يجب أن نحميهم من سماع الموسيقا الهابطة.1

وتأسف أول مايسترو عربية أن يكون درس التربية الموسيقة مهملا ولا يأخذ حقه في معظم المدارس وتحمل المسؤولية في ذلك لإدارات المدارس التي لاتتابع أداء المعلمين أو تفرض عليهم تقديم معلومات مكرورة ومملة موضحة أن درس الموسيقا يجب أن يضم الإملاء الموسيقي والصولفيج والنظريات والإيقاع الحركي والتدرب على الآلة الموسيقية إضافة إلى التذوق.

كما تأسف لكون بعض المدرسين يعلمون النشيد السوري للطلاب بشكل خاطئ من حيث اللفظ والتشكيل فضلا عن أن بعض مدرسي الموسيقا ليسوا مؤهلين لتطبيق مناهج وزارة التربية وإيصال المعلومة بشكل جيد وبالتالي فإن المشرف الموجه يجب أن يطلع على سير دراسة التربية الموسيقية والتقيد بدليل تعليم المادة الذي يبقى حبيس رفوف الإدارة أو مستودع المدرسة.

ويفترض بالموسيقا حسب الملحنة السورية أن تدخل السرور إلى نفوس الأطفال ومكنوناتهم وعواطفهم فضلا عن أنها تساعدهم في ترسيخ المواد الدرسية لذلك كانت تعمل على تحويل درس الموسيقا إلى جو من المرح والفرح لكي يحب الطلاب الدرس ولاينفرون منه.

وتشجع أبو السعود إنشاء المعاهد الموسيقية الخاصة التي ترفد المعاهد الحكومية كمعهد صلحي الوادي الذي كانت أحد مؤسسيه الأوائل ..وتشعر بالفخر عندما ترى طلابها وقد أصبحوا عازفين ناجحين ومتميزين حتى أن أكثر من سبعين بالمئة من الموسيقيين السوريين كانوا تلاميذها.

وبالعودة إلى البدايات تقول الهام إنها تعلمت العزف على العود في طفولتها من والدها الذي كان مولعا بالموسيقا ويجيد العزف والتلحين فكان يعلمها قواعد العزف وضرورة حفظ التدوين والنظريات الموسيقية التي ترسخت أكثر خلال دراستها في مدارس دمشق الابتدائية والإعدادية وهنا بدأت علاقتها مع البيانو الذي تعلمت العزف عليه في مدرسة دوحة الأدب.

ولم يقف زواجها في سن صغيرة حائلا أمام طموحها الفني وساعدها في ذلك تفهم زوجها الذي كان يحترم عمل المرأة وكان متعاونا إلى أبعد الحدود فنالت الشهادة الثانوية وهي أم لطفل صغير ولم يمانع زوجها في إيفادها ببعثة إلى مصر لدراسة الموسيقا في كلية التربية الموسيقية بجامعة حلوان فتتلمذت على يد الفنانة القديرة رتيبة الحفني وفي إحدى المرات سمعها الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب فأعجب بعزفها على العود وقال إنه شيء متميز أن تعزف سيدة على آلة العود وكان هذا الأمر عاديا في سورية إلا أنه لم يكن شائعا في مصر.

أما تجربتها في البحث الموسيقي فبدأت منذ ثماني سنوات مدفوعة بضرورة تسيط الضوء على تجارب المؤلفين الموسيقيين المعروفين في سورية والعالم فعملت على تقديم الدراسات والبحوث الموسيقية في ندوات ومحاضرات داخل سورية وخارجها اذ تم اختيارها للمشاركة كمبدعة في مهرجان المبدعات العربيات في العاصمة التونسية كما قدمت في الجزائر بحثا عن أنواع التأليف الموسيقي العربي مبينة أنها تستمتع بتقديم هذه الابحاث للناس بطريقة مشجعة وممتعة يتخللها مقاطع من العزف والغناء الحي وتسعد بتجاوب الناس معها خصوصا عندما تقدم شيئا لوطنها بتسليط الضوء على موسيقييه حتى أن الأجيال الشابة بدأت تتجاوب معها وصار لدى العازفين الشباب فضول لمعرفة كل شيء عن التراث الموسيقي السوري.1

وفي مجال التأليف ألفت الهام أبو السعود خمسة عشر كتابا تعليميا لمختلف المراحل المدرسية مستفيدة من خبرتها في التدريس في معظم مدارس دمشق واعتمادها على طريقة الفنان النمساوي كارل أورف القائمة على تعليم الطفل الموسيقا عن طريق اللعب وتدعو بهذا الصدد وزارة التربية الى تشجيع تدريس الموسيقا بشكل جيد وضرورة تطبيق المناهج المقررة واختيار المدرسين الأكفاء وتأهيلهم باستمرار ما جعلها تجد نفسها في التعليم أكثر من أي شيء آخر لكونها تحب الأطفال وتشعر بالمتعة والسرور عندما تقدم لهم معلومة.

وتنصح ابو السعود الموسيقيين الجدد بأن يتقيدوا بالنظريات الموسيقية وأصول التلحين وعدم وضع اللحن شفهيا بل تدوينه وعدم التسرع في وضعه مبينة أنها لا تتحيز للموسيقا العربية وإن كانت تميل إليها لأننا في النهاية عرب مشيرة إلى وجود عازفين يجيدون عزف الموسيقا العربية والغربية.

وتقيم الفنانة أبو السعود تجربتها بأنها كانت ناجحة في كل مراحل حياتها رغم الصعوبات التي اعترضتها موضحة أن ما يجعلها ناجحة هو تجاوب الناس معها ومحبتهم لطريقتها في الدروس التعليمية فهي تشعر أنها تركت أثرا عند الناس والآن تقطف النتائج عندما تمشي في الشارع وتجد الناس يتعرفون عليها وطلابها الذين أصبحوا أشخاصا فاعلين في المجتمع يحيونها فتعبها أثمر لكن كل هذا لم يصبها بالغرور.

وتتوجه إلى الأهالي فتنصحهم بمتابعة أطفالهم ومساعدتهم على تأدية واجباتهم الموسيقية وتشجيعهم على السماع والتذوق وتعليمهم الأغاني والأناشيد منذ سن الروضة وعدم الاستهتار بمادة الموسيقا التي تعتبر أساسية وتجعل الطفل عندما يغني ويعزف مع الجماعة يشعر بالتعاطف مع زملائه كما أن الإيقاع يعلمه حب الانضباط والنظام.

ولأنها متواضعة فإن الهام أبو السعود لاتحب التباهي بأعمالها ولاتدع للغرور مجالا إلى نفسها بل تدع الآخرين يتحدثون عنها وبالرغم من عمرها المتقدم فانها تواكب كل جديد وتسعى إلى تعلمه ومازالت قادرة على العطاء وتطمح إلى عمل شيء مميز وتحقيق حلمها بأن تقود فرقة كورال وتدرب أفرادها على الأغاني
التراثية التي تفخر بها سورية.

سلوى صالح